أسس ومقومات الأمن الاجتماعي
مقومات وأسس الأمن الاجتماعي
أسس ومقومات الأمن الاجتماعي كثيرة ومتعددة، ويلعب كلاً منها دوراً هاماً في تحقيق الأمن الاجتماعي، منها ماهو وجداني ومنها ماهو مادي، ومنها مايرتكز على الفرد أو المجتمع ومنها ماهو على مؤسسات الدولة، نبينها فيما يلي :
العقيدة الدينية الصحيحة
إن عقيدة التوحيد وما لها من أثر في أمن الفرد والمجتمع، هي فطرة أصيلة في النفوس، لا يغني عنها لا قانون ولا فلسفة ولا تثقيف، لأنها تمنح الإنسان ثقة بربه، ثقةً تحرره أولاً من خوف الخلق، ثم تحرره ثانياً من هم الرزق، ليكون قوياً فلا يقع فريسة للإغراءات ولا أسير لمطامع نفسه البشرية، وإنما تجعله في حالة من التوازن يعيش بها متصالحاً مع نفسه ومجتمعه، ثم إنها توجه طاقاته وجهة رشيدة، تجعل من دينه رقيباً عليه، فهو محاسب لا يمكن أن يصدر منه شيء يضر الإنسان فرداً أو مجتمعاً أو دولة، فلا توجد عقيدة ربطت بين الدنيا والآخرة، ومزجت بين عالم الغيب وعالم الشهادة، ونظمت علاقات الأفراد والأمم مثلما فعلت العقيدة الإسلامية.
العقيدة الدينية تعد أحد الأسس الرئيسية للأمن الاجتماعي، لأنها تجمع بين أفراد المجتمع وتجمع بين شعوب متباعدة أيضاً، لأنها تربطهم بالله رب البشرية جمعاء، كذلك هي عنصر أساسي في التماسك الداخلي للمجتمع لأنها تغرس القيم الأخلاقية والتراحم وتنبذ التعصب فالعقيدة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتحصن الإنسان بالتقوى ومخافة الله، كما تفرض الحدود لتحمي بها حركة الفرد وحركة المجتمع، مما يكون له الأثر البالغ في الأمن العام.
وإذا كان الخوف على الحياة يشكل المصدر الأول والأكبر في هموم الإنسان فإن القرآن جاء مؤكداً بشكل حاسم أن الحياة والموت بيد الله وحده، لقوله تعالى (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا)، وكذلك مسألة الخوف من ضيق الرزق فقد جاء الإسلام ليغرس في عقول البشر أن العطاء والمنع والسعة والضيق من حق الخالق فقط لقوله جل سبحانه (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا)، كما أكد القرآن الكريم أن قضية الضُر والنفع بيد الله سبحانه وتعالى فقط، وأن المخلوق لا يملك لنفسه لا نفعاً ولا ضراً، فقال تعالى (قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ).
فالعقيدة الإسلامية، تغرس في النفس الأمن والطمأنينة بما تبثه فيها من تصور شامل للدنيا والآخرة والحياة والموت، لذلك ركز الماوردي على هذا الأثر كقاعدة جعلها الأولى لصلاح الدين حيث قال (دينٌ متبع)، كما أن العقيدة الإسلامية تُعد المقوم الأساسي لأمن المجتمع المعيشي والسياسي والاجتماعي ..إلخ، لأنها تأمر بالتقوى والعدل والإحسان والتراحم والتعاطف والتعاون …إلخ، فهي تحرر الإنسان من الخوف وتهبه نعمة الأمن ليعيش سعيداً ومطمئناً، فهي أحد أسس ومقومات الأمن الاجتماعي.
العدل
العدل عكس الظلم والعدل في اللغة ضد الجور والعدل ما قام في النفوس أنه مستقيم، والعدل في الشرع الاسلامي فريضة واجبة وضرورة اجتماعية وإنسانية، وقد أثبتت تجارب التاريخ أن تعدد معايير العدالة كانت سبباً مباشراً في هلاك أمم وسقوط حضارات، لذلك كان خطاب الله سبحانه وتعالى واضحاً وصريحاً في دعوته لرعاية العدالة المطلقة، وأن القرابات والمحسوبيات الاجتماعية لا يجوز أن تخل بموازين العدالة، وإلا فقد القانون مصداقيته وهيبته ويتجرأ الناس على الاستهانة به ومخالفته، فالإسلام يأمر بالعدل في الأقوال والأفعال والأحكام والأخلاق، فبالعدل تصلح شؤون الناس، فهو ركن من أركان العمران وأساس الملك قال تعالى (…وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ…)، وقال جل شأنه (إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ..).
وقد فرض الله سبحانه وتعالى العدل على كافة الناس وعلى رسله ودعاته، فعن عبدالله بن عمر قال: أن رسول الله (ص) قال (ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم،…)، وجوب شمول العدل لكل الميادين حتى عدل الإنسان في بيته، فالعدل في الإسلام هو مبرر وجود المؤسسات والأجهزة وأساس شرعية كافة القوانين والأحكام وهو غاية كل شيء في الدولة.
والعدل يبدأ بعدل الإنسان في نفسه، ثم بعدله مع غيره، فعدل الإنسان في نفسه يكون بحملها على المصالح وكفها عن القبائح، ثم بالوقوف في أحوالها على أعدل الأمرين فلا تتجاوز أو تقصر فإن التجاوز فيها جور والتقصير فيه ظلم، ومن ظلم نفسه فهو لغيره أظلم، ومن جار عليها فهو لغيره أجور، أما عدل الإنسان مع غيره فهو عدل الإنسان فيمن دونه، كالسلطان في رعيته والرئيس مع صحابته.
وقد تحدث المفكرون المسلمون عن العدل وأهميته، لأنه يُعتبر من القيم العليا في الإسلام وبه يكثر المال والعمارة وبه يصلح الراعي والرعية فيقول ابن خلدون (إن العدل هو الميزان المنصوب)، كما اعتبره الماوردي أحد قواعد صلاح الدنيا الست، التي لا تنتظم الحياة إلا بها وفيها وقال (عدل شامل)، وليس شيء أسرع في خراب الأرض ولا أفسد لضمائر الخلق من الجور، والعدل أشرف منزلة، وما من أمة سبقت مسلمة كانت أو مسيحية أو يهودية إلا وتحدثت عن فضله وثماره، وكانت وتوصي من بعدها به.
والأمن الاجتماعي يرتبط ارتباطا وثيقاً بالعدل، فالأجهزة القضائية تُطبق الأنظمة والقوانين بحق المخالفين وتقرر لهم ما يستحقونه من العقاب، فالقضاء يقوم بالدور الوقائي والإصلاحي وهو من أركان الأمن الاجتماعي، فعن ابن عمر أن رسول الله (ص) قال (إن السلطان ظل الله في الأرض يأوي إليه كل مظلوم)، وغياب العدل يؤدي للظلم، ومن نتائج الظلم انتشار الفساد بين الأمة، وتتمثل صور الفساد في انتهاك حرية الإنسان والرشوة والعمولات وسرقة المال العام ومحاباة الأنصار وأخذ أموال الناس بغير حق …إلخ، وهذا من نتائج غياب الأمن المتمثل بالظلم، قال تعالى (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
فأي مجتمع لن يسوده التقدم والتطور مالم يسود العدل بين أفراده، العدل الذي يوجد الإخاء والعلاقات الطيبة والتكافل والتعاون الذي يسهم في إنشاء ما يسد احتياجاتهم من المأكل والمشرب والملبس، فالدولة في ظل بسط العدل على جميع أراضيها، تتجه نحو تحقيق مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تهدف للتقدم والازدهار، لذا فإن العدل ركن أساسي في بناء المجتمع واستقرار، فالعدل أحد أسس ومقومات الأمن الاجتماعي
الحرية والمساواة
أكد الإسلام على هذان الأمرين في حقوق الانتفاع بما سخر الله للإنسان، لأنهما أساس العدل في المجتمع ومصدر تحقيق عزة الإنسان وكرامته فلا تُهدر ولا تهان ولا يلحقها ضرر أو يحط من مكانتها التي منحها الله.
الحرية
الحرية ضد العبودية، وهي (الإباحة التي تُمكن الإنسان من الفعل المُعبر عن إرادته في أي ميدان من ميادين العمل أو الترك، بغض النظر عن شكل التعبير، والحرية في نظر الإسلام تتجاوز نطاق الحرية الفردية إلى نطاق الحرية الاجتماعية وحرية الأمم)، فالحرية هي حرية الإنسان تجاه أخيه الإنسان من جهة وبما يصدر عنه باختياره من جهة أخرى فالإنسان حر في نفسه، غير مملوك لأحد في ماله أو في بلده أو في قومه وأمته، وفي هذا يقول عمر بن الخطاب لعمرو ابن العاص (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً)، وحرية الإنسان أيضاً في عقيدته بحيث يُمنع الإكراه عليها، لقول الله تعالى (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ).
وكذا حرية العلم، والحرية السياسية كحرية اختيار الرئيس وحرية ابداء الرأي والمشورة وحرية التظلم إلى رئيس الدولة من تصرف الوزراء، والحرية المدنية وهي حرية الفرد في اختيار العمل الذي يريده لكسب معيشته وحرية اختيار الزوجة وحرية المرأة في الموافقة على الزوج …إلخ، فالحرية تُعتر من أنجح الوسائل في تحقيق الأمن والاستقرار، لأنها من أهم حقوق الإنسان التي شرعتها الأديان السماوية والدساتير والقوانين، لكن حرية الإنسان ليست مطلقة، بل (نسبية) تنتهي عندما تبدأ بمس حقوق وحريات الآخرين، كما أنها تتقيد بالأنظمة والقوانين، ويجدر الإشارة إلى أنه لا ينبغي للأمن الحمائي أن يطغى على حرية الأفراد، والحرية هي الأخرى لا ينبغي أن تتفلت من قيودها دون حدود، وإلا كانت سبباً للإخلال بالأمن فالإنسان الحر هو الذي يضبط نفسه ويسيطر على إرادته عند الغضب، فهي أحد أسس ومقومات الأمن الاجتماعي
المساواة
المساواة هي تشابه المكانة الاجتماعية والحقوقية والمسؤوليات والفرص للناس في المجتمع على النحو الذي تقوم به الحالة المتماثلة فيما بينهم، وميادين المساواة عادة ما يُذكر منها المساواة السياسية والاقتصادية والمدنية والاجتماعية …إلخ، فلا أمن ولا أمان إذا ساد التمييز بين الفئات أو الطبقات في المجتمع على أساس اللون أو العرق أو العقيدة، ولا اطمئنان في المجتمع إذا كان هناك تفاضلاً بين الناس على أساس الفئوية أو الشللية أو بناءً على انتمائه لعلية القوم أو لقربه من مركز السلطة.
والإسلام يعتبر المساواة حقًا طبيعيـًا للإنسان بمقتضى الفطرة الإنسانية في الحقوق والواجبات، قال الله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)
فالناس سواسية أمام قانون رب السموات والأرض، وعندما يشعر الأفراد في المجتمع بأنهم متساوون في الحقوق والواجبات فإن هذا يؤدي إلى دعم وتعزيز الأمن والاستقرار الاجتماعي والعكس عندما يُمايز النظام القائم في أي بلد بين أفراد المجتمع أو فئة أو منطقة في الواجبات والحقوق فإنه يؤدي إلى خلل في الأمن والاستقرار، كحصول منطقة معينة على المصالح الخدمية (المياه والكهرباء والطرق ..إلخ) دون غيرها، فهي أحد أسس ومقومات الأمن الاجتماعي
الاستقرار السياسي والاجتماعي
يُقصد بالاستقرار السياسي (توفر الحياة العامة للمجتمع، وتمتع أفراد المجتمع بكل حقوقهم الأساسية والسياسية والاقتصادية ..إلخ وممارستهم لهذه الحقوق في ظل الأنظمة والقوانين التي تسهر على تطبيقها أجهزة الحكم القادرة والفاعلة في تنفيذها)، فالاستقرار السياسي هو الذي يهيئ المناخ الملائم للمجتمع لوضع وتنفيذ خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بحيث تسود القناعة والرضا غالبية أفراد المجتمع بما يتم تخطيطه وتنفيذه من برامج تنموية وانتاجية، بالإضافة إلى القناعة في سلامة تسيير الشؤون العامة وتوجيه الموارد المادية والبشرية.
لذا فإن الاستقرار السياسي لأي مجتمع من المجتمعات لا يتم إلا عبر حكم عادل وواع يرعى شؤون أفراد المجتمع والأمة، ويعمل على توفير أسباب الطمأنينة والاستقرار الحياتي والاجتماعي والاقتصادي، والعكس من ذلك فالفوضى تؤدي إلى عدم الاستقرار وهذا يولد الفرقة والتباعد بين الناس حتى أنهم يشعرون بالخوف والقلق على حياتهم وحاضرهم ومستقبلهم.
هذا وقد أقام الاسلام قواعد الاستقرار على العدل والشورى والمساواة والحرية والإحسان وصلة الأرحام والأمر بالمعروف والنهي عن الفحشاء والمنكر والظلم والبغي وإقامة الحدود لتصون كيان المجتمع وتحميه من التفكك والتشرد والضياع، هذا وسنعرض لكم أهم دعائم.
قواعد الاستقرار المجتمعي
العدل
وهو من أهم دعائم وقواعد الاستقرار فالاستقرار السياسي ناتج عن اقامة العدل في كل شأن من شؤون الأمة، بما في ذلك توزيع الأموال العامة والأجور وتولية الوظائف بحسب الكفاءات، قال تعالى (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)، وقال جل جلاله (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
الشورى
أن يقوم الحكم على الشورى ويُترجم ذلك عملياً من خلال استشارة الحاكم أهل الخبرة والكفاءة قال تعالى (وشاوِرْهم في الأمْرِ)، لأن الانفراد في الرأي استبداد، يؤدي إلى عدم الاستقرار.
الحرية الانسانية
وهي ضد العبودية فلا استقرار بدونها.
المساواة
بين الناس، فالناس جميعاً سواسية أمام القانون الإلهي سواءً أكان الواحد منهم أميراً أو قائداً أو غنياً ..إلخ، فلا أمن ولا استقرار بدون المساواة في الحقوق والواجبات.
الإحسان
والتناهي بين الناس لإزالة المنكر الذي يحصل في المجتمع من البعض ومحاربة الآفات الفكرية والاجتماعية المنحرفة، قال جل جلاله(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَر).
إقامة الحدود
التي تصون كيان وحياة الأمة وتحميها من التفكك، وتردع المجرمين بإنزال العقوبات عليهم، ففيها قال تعالى ((وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)).
لذا فالاستقرار السياسي والاجتماعي من نتائج العدل والمساواة والحرية، فالنظام السياسي العادل يخلق لدى أفراد المجتمع طاعة الحكام وتنفيذ القوانين بقناعة وطمأنينة.
الترابط بين أفراد المجتمع
إن ترابط وتماسك المجتمع يُعد شرطاً ضرورياً لتفاعل أفراد المجتمع واستقراره واستمرار ديمومته، ويكون ذلك بشعور كل منهم بانتمائه إلى مجتمعه ووطنه، انتماءً وثيقاً ويتفاعل معه، فالانتماء ركن أساسي في الحياة الاجتماعية كالانتماء إلى الأرض (الوطن) ويشعر بأنه مسؤول عن سلامته وحياته وأن له دوراً في مجتمعه وأنه جزءاً لا يتجزأ منه، وشعور الإنسان بالدور الوظيفي الذي يقوم به في مجتمعه يعطيه الإحساس بالانتماء والانتساب إلى هذا المجتمع، فتشتد الرابطة التي تربطه بأعضائه مما يوفر التماسك فيما بينهم، هذا وتوجد عدة عوامل تؤدي إلى ترابط وتماسك المجتمع أهمها ما يلي:
عوامل التماسك والترابط المجتمعي
1-إشباع حاجات الأفراد، كلما شعروا بأن حاجاتهم يمكن إشباعها عن طريق الانضمام للجماعة، كلما كانت الجماعة أكثر جاذبية لهم وزاد تماسكهم وترابطهم.
2-المكانة الاجتماعية، كلما زادت مكانتهم داخل الجماعة زادت جاذبية الجماعة وزاد ترابطها.
3-التعاون، يؤدي إلى تماسك الجماعة وزيادة جاذبيتهم بل إنه يزيد من الود بينهم.
4-ازدياد التفاعل بين أفراد الجماعة، كلما زاد زادت جاذبية الأفراد فيما بينهم وزاد ترابطهم.
فترابط أفراد المجتمع يُعد من الأسس أو العوامل التي تحقق الأمن والاستقرار الاجتماعي، قال تعالى ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)) الاجتماع والتآلف قوة والفرقة والاختلاف ضعف فإذا اجتمع الناس صلحوا وملكوا وإذا تفرقوا فسدوا وهلكوا.
كما لا يمكن إغفال دور المؤسسات الدينية وبالذات المساجد وما لها من أثر قوي ودور رئيسي في تعزيز رابطة التآلف والتآخي بين المسلمين، إذ تتكرر رؤية بعضهم البعض والتفافهم في مكان واحد، حيث يتبادلون تحية الإسلام، ويقفون جميعاً الغني والفقير والكبير والصغير حاكم ومحكوم في صف واحد، ولهذا السبب يعتبر الجامع من أهم الوسائل التي تعزز العلاقات بين المسلمين فالجامع هو المكان الذي تزول فيه الفوارق الزائفة التي تفتت المجتمع، ويعزز المحبة والتآلف والانسجام بين أفراد المجتمع.
إن قيم التعاون والتكافل تُعد من أهم أسس ترابط المجتمع وبناءه وتقدمه فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً))، فالمجتمع كله جسد واحد يحس إحساساً واحداً وما يصيب عضواً منه يشتكي له سائر الأعضاء، ويؤكد الرسول صلى الله عليه وسلم على الترابط والتكافل بين أفراد المجتمع بل والتأثير المتبادل فيما بينهم، ووجوب الأخذ على يد كل منحرف وفاسد وظالم لإنقاذ المجتمع، لذا فالدين الإسلامي يحث على الترابط بين أفراد المجتمع من خلال التعاون والتكافل وفرض العقوبات على من يعتدي على حياة الإنسان أو عرضه أو ماله بأشد العقوبات حفاظاً على كيان الإنسان من ناحية ومن ناحية ثانية حفاظاً على ترابط وتماسك المجتمع وأمنه الاجتماعي واستقراره، لذا فهذا من أسس ومقومات الأمن الاجتماعي.
الأجهزة الحمائية
إن دعامة المجتمع المنظم هي تلك (الأجهزة والمؤسسات التي تعمل في سبيل تلبية المواطنين، وتأمين العدالة الاجتماعية والطمأنينة والنمو والازدهار في الميادين الثقافية والاقتصادية والاجتماعية ..إلخ، ومن ضمن هذه الأجهزة والمؤسسات تلك المسؤولة عن الأمن بصورة عامة وعن سلامة المواطن بصورة خاصة لأنه مهما بلغت درجة رقي الإنسان والمجتمع ككل يبقى بحاجة إلى عين ساهرة على حمايته وأمنه حيث تتدخل بقوتها لمنع حصول الشر كالانحراف والاجرام، حتى إذا حدث تلاحق كل مرتكبيه لينالوا عقابهم.
لذا يقصد بالأجهزة الحمائية الأجهزة الرسمية وما يتبعها من الأجهزة والمؤسسات الأمنية التي تقوم بحماية الفرد والمجتمع من خلال حماية دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وحماية الأموال الخاصة والعامة وضبط المنحرفين والجناة، كما تقوم بعملية الوقاية من الانحراف والجرائم أياً كان نوعها ومكافحتها، وغيرها من الأعمال التي تحافظ على الأمن العام والسكينة العامة.
ولعل من أهم الأدوار التي تناط بالأجهزة الأمنية هو الحفاظ على أمن المجتمع فعلى سبيل المثال نجد قانون هيئة الشرطة اليمنية رقم (15) لعام 2000م نص في المادة (7) بهذا الدور حيث (تعمل هيئة الشرطة على حفظ النظام والأمن العام والآداب العامة والسكينة العامة وعلى وجه الخصوص العمل على الوقاية من الجريمة ومكافحتها والبحث عن مرتكبيها والقبض عليهم وفقاً للقانون، وحماية الأرواح والأعراض والممتلكات، وكفالة الأمن والطمأنينة للمواطنين المقيمين …)، وهناك أعمال تتصل بالضبطية القضائية وتشمل البحث عن الجرائم والكشف عنها وضبط مرتكبيها وجمع التحريات وعمل الاستدلالات الموصلة أو المؤدية لإجراء التحقيق من أجل تحريك النيابة للدعوى أمام المحكمة، وعلى ذلك فعمل رجل الشرطة ذو شقين عمل إداري وقائي مانع وعمل قضائي وهو قامع.
فرجال الأمن هم اليد الرادعة للذين تسول لهم أنفسهم العبث بأمن المجتمع والخروج على النظام والقانون، وهم اليد القوية لوقف المنكر وإزالته وهم مظهر هيبة الدولة والدعامة للإصلاح، وهم أصدقاء الشعب وليسوا أعداءه، وينبغي أن يتعاون معهم الجميع لمحاربة أي بؤرة من بؤر الفساد ومحاربة العابثين بمقدرات الأمة عملاً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)، ولاشك أن الأجهزة الأمنية القادرة على القيام بواجبها هي التي تحظى باهتمام الحاكم والعناية الكاملة وذلك برفدها بكل ما تحتاج إليه من الكادر البشري، وتأهيله تأهيلاً علمياً وعملياً بما يواكب العصر من الوسائل والآليات التي تُساعد على المواجهة والوقاية من الجريمة وكذلك الاهتمام برجال الأمن مادياً ومعنوياً لكي يؤدوا واجباتهم على أكمل وجه، وفي المقابل لابد أن يكون رجال الأجهزة الأمنية يقظين وساهرين وأمناء على حفظ دماء الناس وأعراضهم وممتلكاتهم من الاعتداء.
ولضبط المنحرفين والمفسدين لابد من التعاون والتكافل بين أفراد الأمة وبين رجال الأمن على البر والمعروف والتقوى في كشف المجرمين والعابثين بالأمن ومتابعتهم وإبلاغ السلطات عنهم، فالإسلام يريد منا أن نكون يداً واحدة، متكاتفين لنصرة هذا الدين، قال تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).
والتعاون بين الأجهزة الأمنية وأفراد المجتمع لا يتم إلا من خلال التنسيق ونشر التوعية وإرشاد أفراد المجتمع في إيجاد دور فعال للوقوف أمام المنحرفين والمجرمين، ومن ناحية أخرى لوقاية أفراد المجتمع بتوضيح مخاطر التعرض للانحراف والجريمة والفساد وتوعيتهم ببعض أنماط السلوك الذي يؤدي للانحراف والجريمة، وكذا توعيتهم كيف يحمون أنفسهم من التعرض لأي عدوان أو انحراف وكذلك توعيتهم كيف يحمون منازلهم وأموالهم من الاعتداء عليها، وتكون التوعية والإرشاد من خلال إلقاء المحاضرات في المؤسسات المختلفة كالمدارس والجامعات وغيرها من المؤسسات الحكومية والأهلية، فبالوعي الأمني لدى الفرد والمجتمع تستطيع الأجهزة الأمنية أن تحقق الكثير من مهامها بمساعدة المجتمع مثل :
1-قيام الفرد والمجتمع بالتعاون مع رجال الأمن بإبلاغهم عن أي معلومات تفيد في كشف الجريمة وكذا عند حدوث أي انحراف أو سلوك شاذ عن القيم والمعايير والأنظمة الاجتماعية.
2-شعور الفرد والمجتمع بالدور الذي تقوم به الأجهزة الأمنية في الحفاظ على حياتهم وأرواحهم وأعراضهم وأموالهم ..إلخ يجعلهم يبذلون كل ما في وسعهم في سبيل تحقيق الأمن والاستقرار.
فالأجهزة الحمائية من أهم أسس ومقومات الأمن الاجتماعي ولولاه لما تحققت النشاطات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وغيرها، فهو حجر الزاوية التي تُبنى عليها المجتمعات والأمم ففي ظل الأمن تتوضح الهوية الثقافية والحضارية للوطن والأمة وفي الوعي الأمني الشامل تتضاعف قدرات البلد وطاقاته الإنتاجية والأمن مسؤولية كل فرد في المجتمع، وليس الشرطة فقط ، فكلاً يعمل حسب قدرته واستطاعته.
المؤسسات التربوية
إن تربية الفرد الصالح في المجتمع تتعاون فيه مؤسسات تربوية كثيرة رسمية وغير رسمية كالأسرة والمسجد والمدرسة والجامعة والمعهد ويجب على هذه المؤسسات أن تهتم بالتربية الدينية وتعميقها في أذهان وعقول الأطفال والشباب وأن تكون هذه التنشئة عملية مستمرة منذ ولادة الإنسان حتى وفاته، لأنها تُعد أحد الأسس للأمن الاجتماعي، وذلك لانتشارها داخل المجتمع بشكل واسع وأن أي تقصير يفتح باب واسع للانحراف والعنف والتطرف والإرهاب، سنذكر بعض تلك المؤسسات أو أهمها فيما يلي:
الأسرة
هي الخلية واللبنة الأولى في المجتمع وهي التي يقوم عليها المجتمع فمنها تتشكل مختلف التجمعات وهي المسؤولة عن توحيد المجتمع وتنظيم سلوك الفرد بما يتلاءم مع القيم السائدة، فالأسرة هي البيئة الأولى لتربية الإنسان، فيها يتلقى معارفه ودينه وعاداته وتقاليده، فهي رمز الترابط أو التفكك ورمز البناء أو الهدم، ولها دور مهم في تحقيق الأمن الاجتماعي الذي يُعد من أهم الأمور في الإسلام، فالبيت المسلم يُعتبر قلعة من قلاع العقيدة، فمن المهم تعليم الأبناء العبادات وتعليمهم التمييز بين الخير والشر والحلال والحرام.
فالأسرة هي خط الدفاع الأول عن أمن المجتمع حيث توفر الاستقرار النفسي وتشبع الجوع العاطفي الذي لا يقل أهمية عن الغذاء الجسدي، كما أن الأسرة توثق صلة الفرد بمجتمعه، وحين تتعرض الأسرة للصراع تنفتح على المجتمع أبواب الشر والفساد لأنها نواة المجتمع، ولأن خبرات الطفولة تترك بصمتها في الشخصية لباقي العمر، لذلك يجب غرس القيم الدينية والأخلاقية السليمة والإيجابية ومنها حب الوطن والمحافظة على التقاليد والتعاليم السوية وعدم الاعتداء على أعراض ودماء الغير وكذا تربية الشباب على الشورى والحوار وشغل أوقاتهم بما يفيد، فعن رسول الله (ص) أنه قال (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)، لذا فالمسؤولية كبيرة على عاتق الأسرة، وأي خلل قد يؤدي إلى خلل في الأمن الاجتماعي.
المؤسسات التربوية التعليمية
تُعد المدرسة المؤسسة الثانية بعد الأسرة في تربية وتعليم الإنسان، أسسها المجتمع لتربية أبنائه فهي تقوم بتنمية شخصية الطفل من جميع جوانبها الجسدية والعقلية والفكرية والاجتماعية والعقائدية وتطهير التراث الثقافي من الشوائب التي علقت به كالخرافات والأساطير، فمناهج التعليم تقوم ببناء شخصية الإنسان وتنشئته على قيم الاستقامة وروح المسؤولية وقيم الحب وكراهية الشر والفساد، كما تغرس فيه احترام حقوق الغير والرقابة الذاتية ليكون مؤهلاً لأداء واجباته في ميادين الحياة.
لهذا فالمدارس والجامعات والمعاهد وغيرها من المؤسسات التربوية تغرس مبادئ الشرف والأمانة وتحمل مسؤولية غرس قيم الاخاء والمساواة في الأشخاص، كما تقوم بتنمية الأبناء منذ نعومة أظافرهم نفسيـاً وجسدياً وعقلياً، وتقوم هذه المؤسسات وخاصة الجامعات على غرس الثقافة والتوعية الأمنية لدى الطلاب، ويتحقق ذلك بإلقاء المتخصصون في الأجهزة الأمنية بعض المحاضرات ذات العلاقة بالثقافة الأمنية وعلاقة الفرد مع المؤسسات الأمنية وعقد الندوات والمؤتمرات الأمنية والحث على احترام القوانين واللوائح والأنظمة وحثهم على الوقاية من الجريمة، لهذا فإن المؤسسات التعليمية لها دور كبير في التنشئة والتحصين الذاتي للفرد من الانحراف والتطرف والتشدد من خلال غرس القيم النبيلة.
المؤسسات الدينية
لقد جعل الإسلام المساجد بيوت الله في الأرض، وخصصها لعبادته، يتم فيها إرشاد وتوعية وتربية الإنسان ليكون صالحاً في المجتمع، فالمسجد هو الجامعة لكل معاني الحياة، من محراب للعبادة ومنارة للعلم والمعرفة، إلى دار للقضاء والصلح والدفاع عن الأمة وكرامتها، لهذا فإن للمساجد دوراً كبير وفعال في إقامة بنيان المجتمع، بنياناً قوياً على تقوى من الله وفي إشاعة الأمن.
ولهذا الدور العظيم في حياة الأمة كان أول عمل قام به الرسول بعد هجرته من مكة إلى المدينة هو بناء مسجد قباء، ليلفت الأنظار ويوجه القلوب إلى أهمية هذا المكان، لذا فهذه المؤسسات هي من أهم أسس ومقومات الأمن الاجتماعي.
مساهمة الجمعيات الخيرية
يُقصد بالجمعيات أو المؤسسات الخيرية والاتحادات والنوادي، تلك المؤسسات غير الرسمية التي تقوم بالعمل الخيري التطوعي الذي يساهم ويعزز في أمن واستقرار الفرد والمجتمع وهي الأعمال الخيرية المنبثقة من قول المولى عز وجل (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).
والجمعيات المحلية أو الوطنية هي التي تنشأ في إطار ونطاق الدولة فقط وليس لها أي ارتباطات خارجية مع أي دولة من الدول، الجمعيات لها تأثير إيجابي للفرد والمجتمع، حيث تقوم برعاية الأيتام ومساعدة الشباب على مواصلة التعليم والسعي لخلق فرص عمل للشباب العاطلين، كما أن لها تأثير إيجابي لدى الفرد والمجتمع، وتقوم أيضاً بتمويل المشاريع الإنتاجية الصغيرة والمشاريع الثقافية، ومساعدة الشباب الغير قادرين على تكاليف الزواج، وإقامة المساجد والمدارس والمراكز الصحية.
ومن نشاطاتها توعية الناس بتسامح الإسلام والوسطية الدينية والاعتدال وتوعية الشباب بمخاطر وآثار الانحراف وتحذير الشباب من تعاطي المحرمات كالكحوليات والمخدرات والمنبهات … الخ، وتنشط أيضاً من خلال ملئ أوقات فراغ الشباب بإقامة المناسبات والبرامج والمحاضرات الدينية والثقافية بهدف تحصين الشباب من الانحراف، وذلك لكي لا ينشغل الشباب بما يجرهم إلى سبيل الفساد.
كما تقوم بعمل فعاليات توعوية للآباء حول التربية الصحيحة لأبنائهم، وكذا توعية الأبناء عن مخاطر أفلام العنف والأفلام المنافية للأخلاق والقيم الإسلامية، وكل ذلك يسهم في تحقيق الأمن الاجتماعي، لأن فشل الشباب في مواصلة الدراسة يُعد سبباً من أسباب شيوع الانحراف والإجرام، مما يجعلهم عالة على المجتمع.
وتُساهم أيضاً في مقاومة ظاهرة أطفال الشوارع التي من مخاطرها امتهان عمليات السلب والسرق والتسول، وهذه الظواهر تنتشر في الغالب في المدن الكبرى، فهؤلاء يحتاجون إلى مساعدة لدفعهم لمواصلة التعليم بدلاً من وضعهم خارج المؤسسات التعليمية، الذي يجعلهم يتشردون في الشوارع لأن متابعة رعايتهم تُعد إسهاماً في تحقيق الأمن الاجتماعي، وتخفيف مخاطر الفقر عن الأفراد والأسر، وتقوم هذه الجمعيات برعاية حملات صحية لمعالجة الأمراض المستعصية مثل (الإيدز)، والذي يُعد من الأمراض الأكثر فتكاً وتهديد للأمن الاجتماعي.
ولا شك في أن الجمعيات والمؤسسات الخيرية لها تأثير إيجابي لدى الفرد والمجتمع لأن هدفها هو المساهمة الفعالة في عمل الخير، وتزداد فاعليتها في قيامها بتلمس احتياجات الأفراد والأسر الفقيرة التي تحتاج إلى المساعدة، ولا يقتصر دورها في الأيام العادية، بل لها أدوار فعالة في مساعدة المحتاجين أثناء الكوارث أو الحوادث التي قد تتعرض لها الأسر كالحرائق وفيضانات السيول، كما يكون لها السبق في كثير من الأحيان في إغاثة المتضررين والمنكوبين من جراء الكوارث أو الحوادث التي يتعرضون لها، وذلك من خلال تقديم المواد الغذائية والملابس والأثاث والأواني المنزلية والخيام للإيواء .. الخ، وبتظافر الجهود الشعبية المتمثلة في الجمعيات والمؤسسات الخيرية إلى جانب الجهد الرسمي المتمثل في أجهزة الدولة يؤدي إلى توطيد دعائم الأمن والاستقرار الاجتماعي.
مساهمة المجتمع في إصلاح الأوضاع
إن أي مجتمع من المجتمعات لابد أن يعتريه بعض المشاكل الاجتماعية والمجتمع المحافظ على توازنه هو المجتمع القادر على المساهمة في معالجة المشاكل التي يتعرض لها أفراده حتى لا تؤدي إلى والاقتصادية والمجتمع المحافظ على توازنه واستقراره هو المجتمع القادر على الانحراف والعبث بالأنظمة والقوانين وبالقيم الاجتماعية، فالأمن الاجتماعي مرتبط بشكل كبير بسلامة المجتمع من الآفات والأمراض الاجتماعية وبمقدرته في معالجتها حين تبدو بوادرها استدراكاً لتفاعلاتها السلبية، أي قبل استفحالها وانعكاساتها السلبية على الفرد والمجتمع.
لذا فالمجتمع الذي يمارس أفراده الإصلاح بين المتخاصمين والمراجعة والتقويم والنقد الذاتي ويبادرون إلى إصلاح مكامن الخلل ومحاصرة الفساد، هو المجتمع الذي يحقق الاستقرار والطمأنينة، قال تعالى (فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) .
فلا سبيل لوقاية المجتمع من الفتن العامة التي تزعزع الأمن والاستقرار وتشيع الفوضى والاضطراب والخراب إلا بممارسة الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ بيد المنحرفين والمفسدين، قال تعالى (وَلْتَكُن مِنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأَوَلَيْكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) .
لهذا فالمجتمع المحافظ على أمنه واستقراره هو المجتمع الذي يسعى إلى حل الخلاف أو النزاع أو الصراع الذي يحصل بين أفراده، وأن يقوم بحسمه في البداية قبل أن يتوسع في المجتمع، وكذلك يسعى المجتمع إلى وقاية أفراده من الانحراف والفساد والفتن التي تزعزع أمنه واستقراره، ومعاقبة كل من سعى إلى ذلك حفاظاً على أمن واستقرار المجتمع من أي اضطراب أو فوضى قد تؤدي إلى عدم الاستقرار.
المؤسسات العقابية والإصلاحية
إن الأمن الاجتماعي يختل إذا وُجد في المجتمع من هو ناقم على النظم ورافض للمبادئ السلوكية المقررة، يعادي أبناء قومه ويناهضهم في مواقفهم ويعتدي على حقوقهم ويهدد أمنهم وحريتهم، لهذا تُعد المؤسسات العقابية والإصلاحية الجهاز الفاعل في إنجاز كل ما يقرره القضاء من تدابير الفرد والمجتمع، والمؤسسات العقابية لا تعني السجن فقط، بل تعني كل أنواع العقوبات المالية كالغرامات أو التعويض، وكذا المعنوية مثل منعه من ممارسة الانتخابات أو منعه من مزاولة مهنة أو إخضاعه لدورات تهذيبية أو تربوية أو توجيهية ..إلخ، أما المؤسسات الإصلاحية فيُقصد بها السجن أو دور الإصلاح فهي توفر للمحكوم عليه إعادة تأهيله مهنياً واجتماعياً وأخلاقياً، وتعطيه من الاهتمام ما يساعده في تربيته تربية مدنية صحيحة، كلاٌ حسب وضعه الشخصي وحاجته الذاتية واستعداده النفسي والذهني.
وهذه المؤسسات تساهم بصورة مباشرة في توفير الأمن الاجتماعي، إذ تحول دون تكرار المذنب لذنوبه والمنحرف لانحرافه بما تزوده به من الوسائل والإمكانيات التي تُبعده عن الاتجاه نحو الانحراف والجريمة، وتوجيهه نحو حياة شريفة تنفعه كما تنفع أقرانه ومجتمعه بصورة عامة، لذا فالمؤسسات العقابية تلعب دوراً في توفير وترسيخ الأمن والاستقرار، لأنها تقوم بتنفيذ العقوبة التي يقرها القضاء بحكم شرعي على المنحرف والمجرم، وإنزال العقوبة بالمجرم تُعد ردعاً لغيرهم، لذلك فالمؤسسات الاصلاحية هي الأخرى تلعب دوراً في ترسيخ الأمن، كونها رادعة للمجرمين، ولأنها تقوم بتأهيل الفرد المنحرف أو المجرم، تأهيلاً أخلاقياً ونفسياً واجتماعياً ومهنياً حيث يتم تعليمه أي حرفة ليزاولها بعد خروجه ويعيش أو ينخرط في المجتمع بشكل إيجابي وفعال، وتعينه في سد حوائجه الاقتصادية، فيفيد نفسه وأسرته ومجتمعه، لهذا فالمؤسسات الإصلاحية تقوم بدور فعال في تغيير سلوك الفرد المنحرف وتحويله من عضو كان فاسداٌ إلى عضو صالح في المجتمع، فخير الفرد خير للجماعة وشره شر على الجماعة والمجتمع.
قبول المجتمع لمن صلح من المنحرفين
إن المجتمع الذي يرفض اندماج الجانح بعد إصلاحه يُعد من السلوكيات السلبية لأنها تزيد الشعور بالإحباط لدى هذا الإنسان مما قد يجعله عدواً أشد حقداً من ذي قبل، والعكس من ذلك إذا ساد التعاون بين المجتمع والجانح الذي أبدى استعداد لإصلاح نفسه، يشكل وسيلة من وسائل ضمان الأمن الاجتماعي من الاضطراب الذي يؤدي إلى انتقام الجانح من كل من حط من منزلته بين قومه، أو ينظر إليها بدونية من قبل مجتمعه، لهذا فالإنسان بحاجة إلى الاعتراف بوجوده كشريك فاعل في حياة المجتمع، أما إذا رفضت مشاركته فقد يثبت حقه بوسائل غير شرعية، وهو الاتجاه نحو الانحراف وربما الجريمة لأنه قد ينظر إلى زملائه من المجرمين باعتبارهم الأشخاص الذين يعاملونه باحترام ورفق، ولذلك فقد يصبح الجانح الذي يريد أن يعود إلى حظيرة مجتمعه عدواً للمجتمع ويزداد ميلاً أكثر من ذي قبل إلى مواصلة الانحراف والإجرام لذا فإن المجتمع يدرك أهمية التسامح والعفو عن الماضي للجانح والتطلع إلى مستقبل الجانح.
لذا فالمجتمع لابد أن يعترف بحق الفرد الذي أبدى استعداداً كاملاً بالإقلاع عن انحرافه وأن يُعترف بكيانه وأن يتعاون معه وأن ينظر إليه بنظرة ود واحترام وتقدير وأن له مكانة بين جماعته والمجتمع، لأن احتضان المجتمع للفرد بعد إصلاحه يؤدي إلى اطمئنانه منه، ويجعله يسلك السلوك السوي والإيجابي في المجتمع، بل يجعله يتناسى سلوكه الماضي وقد يحتقر في ذات نفسه ما قام به في الماضي ويندم على ذلك، أما إذا وجد المجتمع ينفر منه فإنه سيلجأ إلى من يحتضنه ويقدره وهم المنحرفون والمجرمون، فيحدث رد فعل عكسي يعود بهذا الشخص إلى ممارسة سلوكه المنحرف الذي اعتاد على ممارسته في السابق، وقد يكون أكثر انحرافاً وإجراماً من ذي قبل انتقاماً من المجتمع، وهذا يؤدي إلى الخلل في أمن واستقرار المجتمع.
التعليم
إن التعليم من الأسس المهمة في تكوين هوية المجتمعات فإذا كان صالحاً ومبنيا على أسس علمية سليمة فإنه يساهم إلى حد كبير في أمن واستقرار المجتمع، ولهذا تبذل الأمم جهداً كبيراً في تثقيف أفرادها وتعليمهم حتى يصبحوا نواة صالحة لبناء مجتمعاتهم، إذ يُقاس رقي الأمم وتقدمها بما تؤدي مدارسها وجامعاتها ومؤسساتها الثقافية في مجال العلم والبحث العلمي والابتكار، ومما لا شك فيه أن أداء هذه المؤسسات يلعب دوراً كبيراً وفعالاً في محاربة الجريمة ومحاصرتها في أضيق الحدود الممكنة وبالعلم يسهل على الإنسان فهم العقيدة، ولأهمية العلم فقد جعله الإسلام فريضة على كل مسلم فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((طلبُ العِلْم فريضة على كُل مُسلِم))، لذا فإن طلب العلم لمن لا يعرف واجب، لأن للجهل عواقب سلبية على الفرد نفسه ومن ثم ينعكس على المجتمع بأجمعه، والوقاية من الجهل لا تعني التعليم فحسب بل أيضاً إتلاف ومحاربة ما من شأنه تشويه الشريعة الإسلامية وما من شأنه الإضرار بالآخرين.
فالتعليم أهم أسس ومقومات الأمن الاجتماعي يقوم بنقل المعرفة وتطوير قدرة الإنسان على الاستنباط الاستدلال المنطقي، أي أن للتعليم أثرين عقلي ومنهجي، وأثر أخلاقي وكلاهما بالغ الأهمية في تشكيل المجتمع ودفع عجلة التنمية، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ..إلخ، وأن الإنسان المتعلم يكون أكثر استعداداً لتقبل الآراء والأفكار، والتعليم لابد أن يعم ويشمل عامة المجتمع، حيث تقوم الدولة بنشره من خلال المدارس والجامعات والمؤسسات العلمية الأخرى، التعليم الذي يقضي على الجهل، ويعلم الإنسان ما له من حقوق وما عليه من واجبات أمام الله سبحانه وتعالى وأمام نفسه وتجاه أسرته ومجتمعه ووطنه، وعلاقته بالله سبحانه وتعالى، التعليم الذي يغرس العقيدة الإسلامية والقيم الأخلاقية النبيلة في نفس الفرد والمجتمع والأمة، التعليم الذي يغرس ويعمق في نفس الإنسان والمجتمع الحب والتراحم والتآلف والتآزر والتعاون ويغرس قيم الخير وينبذ ويحارب القيم الفاسدة والمنحلة التي تتنافى مع قيمنا وعقيدتنا الإسلامية بل ويحارب الانحراف والجرائم.
التعليم الذي يبين للإنسان طرق الحلال في كسب الرزق ويبعده عن جميع المحرمات التعليم الذي يعلم الإنسان كيف يتعامل مع الآخرين بالود والاحترام، وكيف يحارب كل رذيلة وجريمة وفساد، التعليم في شتى مجالات العلوم النافعة للإنسان كالعلوم الشرعية والطبية والهندسية … الخ، لهذا له أهميته في الأمن الاجتماعي، حيث يُعد العلم سياج للأمن الاجتماعي في الجانب الصحي والغذائي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، فإذا كان التعليم هو جوهر التنمية فإن العلم هو الركيزة الأساسية للأمن الاجتماعي في شتى مجالاته أو عناصره، وفي الأخير صدق من قال: العلم يرفع بيوتاً لا عماد لها والجهل يهدم بيوت العز والكرم.
أسس ومقومات الأمن الاجتماعي
للعودة إلى قسم العلوم الأمنية من هنـــــــــا