أسباب انعدام الأمن الاجتماعي
معوقات الأمن الاجتماعي
أسباب انعدام الأمن الاجتماعي أو معوقات الأمن الاجتماعي كثيرة، ولكنها متفاوتة التأثير في زعزعة الأمن، وسنقوم بدورنا على ايضاح أهم تلك الأسباب فيما يلي :
الفقر وأثره على أمن المجتمع
يُعد الفقر من المشاكل الاجتماعية التي لا يخلوا منها أي مجتمع من المجتمعات ولا دولة من الدول الغنية والفقيرة إلا ويوجد بين سكانها أفراداً وأسراً يعانون من الفقر، والفقر يُعد من أسوء المحن التي يصاب بها الإنسان أو المجتمع، وذلك لما له من آثار سلبية على أمن الفرد والمجتمع، الفقر في اللغة ضد الغنى، ورجل فقيرُ من المال، والجمع فقراء، وقال ابن الأعرابي الفقير هو “الذي لا شيء له”، والفقر الحاجة، ويقال الفقير المحتاج، ويُفهم مما سبق بأن الفقير في اللغة المُحتاج إلى المال وهو ضد الغنى الذي لا يحتاج إلى المال ومعنى الفقر اصطلاحاً قال الماوردي أن الفقير هو ” الذي لا شيء لـه”، ويُعرف الفقر “بالدخل المتدني”، ونظراً لتعدد تعريف الفقر يستخلص المؤلف التعريف الإجرائي التالي للفقر هو “عجز أو نقص الموارد المالية والعينية التي تلبي وتشبع احتياجات الإنسان الضرورية بل ومعاناتهم وحرمانهم حتى في الجوانب الأخرى الصحية والتعليمية والثقافية وغيرهما”.
هذا ومن الأسباب التي تؤدي إلى الفقر قلة الموارد الاقتصادية، أو انخفاض مستوى الدخل بسبب البطالة وذلك بسبب محدودية فرص العمل، أو انعدام الخبرة المهنية أو الكسل أو المرض أو العجز، أو ارتفاع الأسعار مقابل انخفاض الأجر، أو بسبب الإسراف في الإنفاق، أو بسبب عدم الاستقرار السياسي أو الأمني، أو بسبب الكوارث الطبيعة كالزلازل أو فيضانات الأمطار أو الأعاصير أو الجفاف أو الحوادث كحوادث النقل أو الحرائق، أو بسبب الحروب أو غيرها من الأسباب التي قد تؤدي إلى الفقر، لهذا فالفقر له آثار سلبية على الفرد والأسرة والمجتمع، حيث يعيش الإنسان وهو في حالة خوف لما يعاني من القلة والعوز.
ولما للآثار السلبية على الفرد وعلى المجتمع معاً استعاذ منه الرسول صلى الله عليه وسلم فقال (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر) وقال (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والبخل والجبن)، كما وصف الماوردي الفقر بأنه من أسباب الفساد وأنه يعم الناس جميعاً، وكذلك الغنى هو الآخر يعم الناس جميعاً، حيث يقول : (فالخصب يؤدي إلى الغنى والغنى يُورث الأمانة والسخاء، والجدب (الفقر) يحدث من أسباب الفساد، وقد عبر مالك بن نبي عن الفقر بقوله (كيف أصلي وأنا جائع)، لذا فإنه لا تستقيم العقيدة وتنموا الأخلاق إذا لم يطمئن المرء في معيشته ويشعر أن الدولة والمجتمع يقف معه ويؤمنه عند الحاجة.
فالفقر قد يكون له آثاراً سلبية على أمن الفرد والأمن المجتمعي، وذلك لما قد يترك من آثار سلبية على سلوك الفرد، حيث قد يؤدي إلى الانحراف في سلوك الفرد بما لا ترضاه الفضيلة والخُلق الكريم، ولهذا قالوا صوت المعدة أقوى من صوت الضمير وقد يؤثر الفقر على التفكير فالإنسان الفقير الذي لا يجد ضرورات الحياة له ولأهله وأولاده كيف يستطيع أن يفكر تفكيراً سليماً ودقيقاً، كما أن الفقر قد يكون له انعكاساته السلبية على الأسرة من نواحي عديدة على تكوينها واستمرارها وتماسكها، ففي تكوين الأسرة نجد الفقر قد يكون مانعاً من أكبر الموانع التي تحول بين الشباب وبين الزواج وما وراءه من أعباء المهر والنفقة والاستقلال الاقتصادي وفي استمرار الأسرة نرى ضغط الفقر ربما يؤدي إلى التفرقة بين المرء وزوجته على كره منه وربما على كره منها لعجزه عن النفقة، وقد يؤدي إلى تفكك الأسرة وتشرد الأطفال.
ومن أسباب الفقر سوء توزيع الثروة وبغي بعض الناس على بعض، وترف أقلية في المجتمع على حساب الأكثرية، فهذا هو الفقر الذي يثير النفوس ويحدث الفتن والاضطراب ويقوض أركان المحبة والإخاء بين الناس، والفقر له آثار سلبية على سيادة الأمة وحريتها واستقلالها، فالبائس المحتاج قد لا يجد في صدره حماسة الدفاع عن وطنه والذود عن حرمات أمته، لأن وطنه لم يطعمه من الجوع ولم يؤمنه من الخوف وأمته لم تمد إليه يد العون لتنتشله من الشقاء.
وللفقر أخطار سيئة أخرى على الصحة العامة، ولما يتبعه عادة من سوء التغذية وسوء السكن وسوء التهوية وعلى الصحة النفسية، لما يلازمه عادة من الضجر والقلق والسخط وفي ذلك كله آثار سلبية على الإنتاج والاقتصاد إلى غير ذلك من الأضرار والآثار السلبية على الفرد والمجتمع، وأيضاً من آثار الفقر انخفاض مستوى التعليم لدى أفراد الأسر الفقيرة، وذلك بسبب عدم قدرتها على الإنفاق على تعليم الأبناء، مما يؤدي إلى انخفاض المهارات العلمية والفنية والمستوى الثقافي بين أفراد الأسرة.
فالأمن من الفقر يتطلب وجود دخل أساسي مضمون للفرد من خلال العمل الذي يقوم به، أو من خلال الضمان الاجتماعي الممول من الدولة وهذا يُعد الملاذ الأخير كما أن الأمن من الفقر يتطلب التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع عملاً بقوله تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، فالتعاون والتكافل بين أبناء المجتمع وتعاضده أساس بناء المجتمع وتقدمه فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
كما تتم معالجة الفقر من خلال العمل فهو السلاح الأول لمحاربة الفقر، فإن على الإنسان أن يعمل ليغني نفسه بنفسه، فالعمل هو أساس الثروة في الأرض وعلى الإنسان أن يسعى ليحصل على هذه الثروة من الأرض ويكتشف خيراتها قال تعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ويعمر الْأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِزْقِهِ). وكذا ترشيد الإنفاق قال تعالى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ).
وقد حث الإسلام الإنسان على عدم الإسراف في الإنفاق ويدعو إلى التوسط والاعتدال في الإنفاق عملاً بقوله تعالى ( وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عنقكَ وَلَا نَبسُطها كُلَّ الْبَسْطِ … )، وقال تعالى ( وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِقُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا ) ، والإسراف ليس متعلق بالمال فقط بل في كل شيء حتى الاقتصاد بالماء في الوضوء لأداء الصلاة، كما قد وضع الاسلام حلول تشريعية لتجنب مشكلة الفقر ووضع الحلول العلاجية للفقراء والوقائية للمجتمع من خلال نظام الأجور ومصارف الزكاة وحرم الاحتكار والربا والاكتناز والإسراف، فالفقر عائق من عوائق الأمن الفردي والمجتمعي، وحصول الفرد على الدخل الاقتصادي الكافي يشعره بالأمن والطمأنينة ويؤدي لتحسين الأوضاع في شتى المجالات، صحي وتعليمي وثقافي …إلخ
الانحراف وأثره على أمن المجتمع
إن الانحراف ظاهرة اجتماعية ولا يخلوا منها أي مجتمع من المجتمعات الغنية والفقيرة بل ولا دولة من الدول الغنية أو الفقيرة، وأن كل مجتمع له معاييره أو قواعده وقوانينه التي تقوم عليه الحياة الاجتماعية في العلاقات أفراد المجتمع وأن أي انحراف عنها من أي فرد أو جماعة فإنه سيلاقي اللوم والتفاعلات والتعاون والترابط والتكافل والتكامل، ويلتزم بها جميع أو العقاب والجزاء بحسب الانحراف أو الجريمة حين اقترفها على غيره من أفراد المجتمع أو على جماعة أو على المجتمع ككل أو على ممتلكاتهم أو ممتلكات الأمة .
التعريف الإجرائي للانحراف الاجتماعي بأنه (السلوك المنحرف الذي ينتهك المعايير والقواعد والقيم الاجتماعية التي اتفق عليها المجتمع في تنظيم حياته واستمرارها واستقرارها سواء من قبل فرد أو مجموعة من الأفراد، وأي خروج عنها يؤدي إلى الفوضى وزعزعة أمن واستقرار الفرد والمجتمع)
وتعد البيئة المحيطة بالإنسان من أهم الأسباب المؤدية إلى الانحراف حيث تلعب دوراً في تشكيل السلوك السوي أو المنحرف ابتداءً من البيئة الداخلية، وهي بيئة الأسرة، فإذا كانت الأسرة يسودها التفكك وعدم الاستقامة وانعدام القيم الأخلاقية واختلال المعايير الاجتماعية داخل الأسرة أو جهل الأسرة بالأساليب التربوية، لا شك أن هذه الأسباب سيكون لها انعكاساتها السلبية على سلوك الفرد والعكس وكذا البيئة الخارجية التي تتمثل في المؤسسات التعليمية كالمدرسة وغيرها، والبيئة التي يعيش فيها، وبيئة العمل والبيئة الترويحية التي يقضي فيها الفرد وقت الفراغ .. إلخ، لها أثر على سلوك الفرد نفعاً أو ضراً ، فكل بيئة لها دور في تشكيل سلوك الفرد، فإذا كان أي من هذه البيئات يوجد فيها من ذوي السلوك الفاسد بلا شك أنها تؤثر سلباً على سلوك الفرد وقد تؤدي إلى انحرافه، بالإضافة إلى البيئة الاقتصادية والسياسية والثقافية ..الخ.
وكذا وسائل الإعلام وما قد يبث فيها من برامج لا تليق بالآداب والقيم الأخلاقية والدينية وكذا أصدقاء السوء، فعن رسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : “مثل الجليس الصالح والسوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل الْمِسكِ إما أن يُحذِيكَ، وإما أن تَبَتاع مِنهُ، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ونافخ الكير إما أن يُحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة”.
وكذا ضعف أو فقدان الوازع الديني لدى الشخص المنحرف يؤدي لإقدامه على ارتكاب جريمة من الجرائم، فالانحراف وليد عامل أو عدة عوامل أو هو حصيلة كل هذه العوامل التي تتفاعل فيما بينها.
لذا فالأسباب السالفة الذكر قد تؤثر سلباً في سلوك الفرد مما قد تؤدي إلى الانحراف والجريمة، وهذه لها انعكاساتها السلبية على الأمن والاستقرار، لهذا فالانحراف يترك آثار سلبية نظراً لما يؤدي من انتشار العديد من الجرائم التي تؤثر على الأمن الفردي والأمن المجتمعي، سواءً كانت جرائم اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية … الخ.
فالانحراف قد يؤدي إلى الروع وزعزعة الأمن والسكينة لدى الفرد والمجتمع، وهذا مما قد يؤدي إلى التفكك الاجتماعي إلا إذا كان هذا الانحراف لعدد كبير من الناس ولكن المجتمع المنظم يستطيع أن يتحمل عدد من المنحرفين دون أن يحدث به اضطراب اجتماعي.
والانحراف قد يكون سبباً في إفساد النظام الوظيفي للمجتمع، ولكن موقف انحرافي واحد أو انحراف شخص ما من النادر أن يؤثر على وظائف المجتمع لأن المجتمع يستطيع امتصاص عدد من المنحرفين دون ملاحظة تأثير يُذكر، ولكن الانحراف المستمر والمنتشر قد يكون سبباً لاختلال المجتمع، فالانحراف قد يعوق النسق الاجتماعي والاقتصادي وكل النظم تحتاج إلى تعاون الأفراد فيما بينهم .
فالانحراف في الجماعة قد يحطم دوافع التكيف والتوافق عند الآخرين، فمثلاً عندما يقوم شخص منحرف أو أشخاص منحرفون بأداء أعمال منحرفة عن القيم والقوانين المتعارف عليها في المجتمع، خاصة إذا نجح المنحرف في تنفيذ جرعته أو عمله غير السوي ولم يُعاقب وحقق ما يريده بلا شك أن ذلك سيضعف استجابة الآخرين للامتثال للمعايير والقوانين، أما إذا عوقب المنحرف مثلاً الذي يغش في الامتحان بعقوبة الرسوب، وكذلك السارق والزاني وشارب الخمر والقاتل … الخ إذا طُبق في حقهم الحدود الشرعية التي حددها الإسلام، فإن ذلك سوف يعزز من قيمة العقوبات الشرعية والقانونية، وستكون رادعاً وعبرة للآخرين ممن تسول لهم نفوسهم الضعيفة بالشروع في الإجرام.
وفيما سبق تأكيد على أن الانحراف يشكل خطراً على أمن الفرد والجماعة والمجتمع وبالذات عندما يصبح الإنسان يعيش في حالة خوف من أي اعتداء على حياته، وعلى ممتلكاته بالسرق أو السلب أو النهب إلخ، وعندما يصبح لا يستطيع أن يترك منزله أو سيارته أو مزرعته أو متجره بدون حماية خوفاً من المنحرفين وكلما زاد عدد المنحرفين كلما زادت نسبة الأخطار، لذا ينبغي وقاية الفرد من الانحراف وذلك بغرس كل القيم الفاضلة المستمدة من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف والقيم والأعراف الاجتماعية ونبذ كل قيم الشر والرذيلة.
ويجب تفعيل دور الأسرة في تحصين الفرد من الانحراف، فإذا تشبع بكل القيم الفاضلة منذ الطفولة فقد لا يستطيع أحد أن يخترقه أو يستميله إلى الانحراف، أما الخط الوقائي الثاني فيتمثل في البيئة الخارجية كالمؤسسات التعليمية والبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الفرد وبيئة العمل وجماعة الصحبة والبيئة الترويحية ووسائل الإعلام والإرشاد نحو قيم الخير والفضيلة ..إلخ، بالإضافة إلى ذلك فوسائل الضبط الاجتماعي الرسمية والغير رسمية أن تكون قادرة وفاعلة في ردع كل من تسول له نفسه في الانحراف والإجرام أياً كان نوعه ومصدره حفاظاً على الأمن الفردي والأمن الاجتماعي الشامل.
أسباب انعدام الأمن الاجتماعي
للعودة إلى قسم العلوم الأمنية من هنـــــــــــــا