تابعنا على تليجرام تابعنا على تويتر
الشريعة والقانون

جريمة التجمهر غير المشروع

جريمة التجمهر غير المشروع :

أغفل المشرع اليمني النص صراحة على جريمة التجمهر غير المشروع، وإنما قام بتعريف التجمهر في نص المادة الثانية من قانون الإجراءات الجزائية رقم(13) لسنة 1994م بأنه “كل تجمع من خمسة أشخاص فأكثر، إذا كان قصد التجمع ارتكاب أو الشروع لارتكاب جريمة أو كان يحتمل أن يؤدي هذا التجمع إلى الإخلال بالمال العام“، من خلال ذلك فإنه قبل البحث في أركان الجريمة يجب التحقق من توافر

الشروط المفترضة لجريمة التجمهر غير المشروع :

الشرط الأول : توافر النصاب العددي، وهو شرط لازم في جميع صور التجمهر المُعاقب عليه، وحسب التشريع اليمني فإن النصاب يجب ألا يقل عن خمسة أشخاص، ولا يُشترط وجوب قيام اتفاق سابق بينهم، والحكمة من وضع هذا النصاب تكمن في أن هذا التعدد ينطوي على تقسيم المهام بينهم مما يجعل ارتكاب الجريمة أسهل، كما أن هذا التعدد يجعلهم أكثر أمناً وأشد جرأة.

الشرط الثاني : توافر العلانية، عرّفالمشرع اليمني المظاهرة أو المسيرة بأنها “تجمع أو سير عدد من الأشخاص، بطريقة سلمية، في مكان أو طريق عام أو بالقرب منهما، بقصد التعبير عن رأي …إلخ” واستناداً لهذا التعريف ، يمكن القول بأن التجمهر يتطلب لقيامه أن يكون في مكان أو طريق عام أو بالقرب منهما.

جريمة التجمهر غير المشروع
جريمة التجمهر غير المشروع

مما سبق نخلص إلى أن تحقق الشرطين لا يكفي لقيام الجريمة، وإنما يلزم توافر الركنين المادي والمعنوي لها، وهو ما سنبينه فيما يلي.

أركان جريمة التجمهر غير المشروع :

أولاً : الركن المادي لجريمة التجمهر غير المشروع :

الركن المادي لجريمة التجمهر المهدد للأمن العام.

لقيام هذا الركن يجب توافر عنصرين هما :

العنصر الأول : الاشتراك في تجمع من شأنه أن يعرض الأمن العام للخطر، ولكي يتحقق ذلك، يجب أن يكون الشخص متواجداً في مكان المظاهرة أو المسيرة وعالماً بأهدافها وعنصراً فاعلاً فيها، وليس مجرد شخص مار بجوارها على سبيل الصدفة أو دفعه الفضول إلى مشاهدتها، ويلزم كذلك أن تكون المظاهرة أو المسيرة قد أقيمت أو سيرت بالفعل بالمخالفة لأحكام القانون، وهي لا تكون كذلك إلا عند تحقق إحدى الحالات التي تُجيز فضها وهي :

  1.  القيام بتنظيم مظاهرة أو مسيرة دون تقديم بلاغ إلى الجهة المختصة، ودون علمها، أو في حالة خروج المظاهرة أو المسيرة عن الهدف المحدد لها .
  2. إذا ألقيت في المظاهرة أو المسيرة خطب أو هتافات تدعو إلى الفتنة.
  3. وقوع أعمال تُعد من الجرائم أو من شأنها إعاقة السلطة عن القيام بواجبها.
  4. إذا وقعت أعمال شغب أو اضطراب شديد.

تقدير الحالات التي من شأنها تعريض الأمن العام للخطر متروك لسلطة الضبط الإداري .

العنصر الثاني : أن يصدر أمر من رجال الشرطة للمتجمهرين بالتفرق وعصيانهم لهذا الأمر.

يشترط أن يكون الأمر من رجل شرطة مختص مكانياً، ومسئولاً عن أمن التجمهر، كما يشترط أيضاً أن يرفض المتجمهرين الانصياع للأمر، حينها يكون كل فرد منهم مستحق للعقاب .

الركن المادي لجريمة التجمهر بغرض ارتكاب جريمة ما.

يكفي لقيام الجريمة هنا أن يثبت على المتجمهرين أنهم اجتمعوا بغرض ارتكاب جريمة ما، ولا يُشترط قيام اتفاق مسبق بينهم، كما أن المشرع لم يشترط وجود خطر على الأمن العام ولم يشترط ضرورة تواجد رجال الشرطة وإصدار أمر للمتجمهرين بالتفرق وعصيانهم للأمر كما في الصورة الأولى من التجمهر، كما أن المشرع اليمني لم يحدد نوع أو طبيعة الجريمة، فقال “ارتكاب جريمة ما” أي تستوي الجسيمة وغير الجسيمة .

ثانياً : الركن المعنوي لجريمة التجمهر غير المشروع :

الركن المعنوي لجريمة التجمهر المهدد للأمن العام.

يُعد هذا التجمهر جريمة عمدية، ويتوافر الركن المعنوي فيها في صورة القصد الجنائي العام، ويقوم هذا الركن بأن يستمر المتجمهرون في أماكنهم عمداً دون تفرق على الرغم من صدور الأوامر إليهم بالتفرق، وأن يكون كل واحد منهم قد علم مضمون ذلك الأمر، في المقابل، فإن كل من ذهب في حال سبيله في حينه قبل أن يقوم بارتكاب جريمة ما، ينأى بنفسه عن العقاب.

الركن المعنوي لجريمة التجمهر بغرض ارتكاب جريمة ما.

يُعد هذا النوع من التجمهر جريمة عمدية أيضاً، ويأخذ الركن المعنوي فيها صورة القصد الجنائي العام بعنصريه العلم والإرادة، كما يتطلب توافر قصد جنائي خاص، وهو أن الجناة يسعون من تجمهرهم إلى ارتكاب جريمة ما واتجاه إرادتهم إلى تحقيق هذا الغرض، وسواء تحقق هذا الغرض أم لا، وبالتالي فإن مجرد علم الشخص بالغرض من التجمهر (ارتكاب جريمة ما)، أو بلغ بذلك أثناء التجمهر، وعدم ابتعاده عنه، يجعله محل مساءلة عن الجريمة ، حتى ولو لم تتجه نيته إلى ارتكاب ذلك.

أولاً : عقوبة جريمة التجمهر المهدد للأمن العام

، قرر المشرع اليمني في المادة (۱۱) من قانون تنظيم المظاهرات والمسيرات “عقوبة الحبس مدة لا تزيد على خمسة عشر يوماً أو الغرامة التي لا تزيد على خمسة ألف ريال لكل شخص اشترك في مظاهرة أو مسيرة خلافاً لأحكام هذا القانون ولم يستجب لأوامر رجال الشرطة بالتفرق”.

ثانياً : عقوبة جريمة التجمهر بغرض ارتكاب جريمة ما

كما نصت المادة (۱۲) من نفس القانون “عقوبة الحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن شهرين أو الغرامة التي لا تزيد على عشرين ألف ريال لكل شخص اشترك في مظاهرة أو مسيرة وهو يعلم بأن الغرض من قيامها ارتكاب جريمة ما أو بلغ بذلك أثناء المظاهرة أو المسيرة ولم يغادرها”.

ثالثاً : حمل السلاح أثناء التجمهر باعتباره ظرف مشدد للعقاب

نصت المادة (۱۳) من ذات القانون أنه “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على ثلاثة أشهر أو بغرامة لا تقل عن عشرين ألف ريال ولا تزيد على خمسين ألف ريال كل من:

  1. اشترك في مظاهرة أو مسيرة وكان حاملاً لسلاح ناري أو متفجرات أو مفرقعات أو مواد مشتعلة أو أي مادة من المواد السامة القائلة.

اشترك في مظاهرة أو مسيرة وكان حاملاً لأي آلة من شأنها أن تؤدي إلى الموت أو الإصابة بأضرار جسمانية بصفتها سلاحاً أثناء المظاهرة.”

التمييز بين جريمتي التجمهر غير المشروع وجريمة الشغب :

التمييز بين جريمتي التجمهر غير المشروع وجريمة الشغب
التمييز بين جريمتي التجمهر غير المشروع وجريمة الشغب

الأصل أن تجمع الأشخاص أياً كان عددهم أو طريقة تجمعهم، أو الغرض من اجتماعهم هو عمل مباح، إلا أن هذا التجمع يمكن أن يؤدي إلى الإخلال بالأمن العام أو يعرضه للخطر إذا اقترن بظروف معينة، عندها يتحول التجمع البريء إلى عمل غير مشروع، والذي عرفه البعض بأنه “كل تجمع يحصل من خمسة أشخاص على الأقل في طريق أو مكان عام ويكون من شأنه جعل الأمن العام في خطر أو يكون الغرض منه غير مشروع”، من خلال هذا التعريف يتضح بأن جرائم التجمهر لا تخرج عن إحدى صورتين (التجمهر الذي من شأنه تعريض الأمن العام للخطر، والتجمهر لغرض غير مشروع أو لارتكاب الجرائم)، الصورتين تحمل في طياتها خطراً كامناً  ومن الممكن أن تنقلب إلى شغب في أي لحظة، نلاحظ مما سبق التشابه والتقارب بين جريمة الشغب وجريمة التجمهر غير المشروع بشكل كبير، إلا أن هناك بعض أوجه الاختلاف، وبيان ذلك نورده فيما يلي :

أوجه الشبه بين التجمهر والشغب :

  1.  كلتا الجريمتين ليست من الجرائم السياسية وإنما من جرائم القانون العام، ومن ثم تخضع للأحكام العامة للجرائم العادية.
  2. كلتا الجريمتين من جرائم الفاعل المتعدد، أو من جرائم الجموع، .
  3. أن التجمهر محظور سواء حدث في مكان عام أو في طريق عام متى ما توافرت أركان الجريمة، وذات الحكم بالنسبة للشغب .
  4. كلتا الجريمتين من الجرائم العمدية.
  5. كلتا الجريمتين من الجرائم غير الجسيمة أو من الجنح، إلا أن ما تفضي إليه جريمة الشغب من جرائم غالباً ما تكون جسيمة أو جناية.

أوجه الاختلاف بين التجمهر والشغب

  1. تُعتبر جريمة التجمهر من جرائم الخطر، إذ يكتفي المشرع بأن يترتب على السلوك الإجرامي خطر على الحق أو المصلحة محل الحماية الجنائية دون استلزام الإضرار بأي منهما، على العكس من جريمة الشغب والتي تندرج ضمن جرائم الضرر.
  2. إذا كان التجمهر حالة، فإن الشغب حركة وانفعال واعتداء.
  3. إذا كان التجمهر نذيراً بوقوع الاضطراب، فإن الشعب هو الاضطراب الفعلي.
  4. إن وجود التجمهر أمر سابق على وجود الشغب، حيث يعتبر الاشتراك في تجمهر غير مشروع عنصراً أساسياً من عناصر قيام الركن المادي لجريمة الشغب وليس العكس.

لا يشترط لقيام جريمة التجمهر استعمال القوة أو العنف، فمجرد احتشاد جمع من الناس بغرض ارتكاب أعمال مخلة بالسلم والنظام العام، أو لتحدي السلطات في أعمالها، أو لارتكاب جريمة ما أياً كان نوعها، وذلك بخلاف جريمة الشغب التي لا تقوم إلا باستعمال القوة أو العنف.

الصفحة الرئيسية

د نبيل محمد السماوي، الجرائم الخطرة على الأمن العام- حقيقتها وأهم صورها، واجراءات مكافحتها،دار الكتب اليمنية، صنعاء،2022،ط2.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى