جريمة البغي
جرائم البغي
جريمة البغي تعتبر من الجرائم السياسية في التشريع الإسلامي حيث تقع ضد السلطة العامة فتكون سبيلاً لتقويض النظم المستقرة وسبباً لإحداث الفتنة الشاملة في كل مناحي الحياة، من جانبه تعامل المشرع اليمني مع جريمة البغي باعتبارها من الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي ونص على عقاب الباغي وفقاً لأحكامها.
من خلال ذلك فإن جريمة البغي قد تكون صورة من صور الجرائم الإرهابية وليست جريمة سياسية لأمرين هما :
الأول : الجريمة السياسية تصدر عن باعث شريف هو الحرص على معالجة الأوضاع السياسية التي يراها المجرم في حاجة إلى ذلك، مما يجعل المجرم في الأصل وطنياً يسعى لتحقيق الخير لبلاده، غير أنه سلك لتحقيق هدفه النبيل سبيلاً منحرفاً جعله في عداد الخارجين عن القانون، وهذا غير حال المجرم الإرهابي الذي يستخدم العنف والتهديد ويزعزع أمن المجتمع .
الثاني : كون المجرم الإرهابي غير جدير بالاستفادة من المزايا التي يتمتع بها المجرم السياسي في مجال المعاملة الإجرائية والعقابية ومن أبرز تلك المزايا امتناع تسليم المجرم السياسي إلى الدولة الطالبة به واستفادته من أحكام العفو الشامل. .
تعريف جريمة البغي :
لغويًا : البغي مصدر لبغى يبغي إذا طغى وظلم واعتدى أي أن البغي هو مجاوزة الحد والاعتداء، أي “الاعتداء على نطام الحكم في الجماعة، الذي اقتضاه تكوين الجماعة، الذي يتطلب من يصرف شئونها ويسهر على مصالحها ويوفر لها الأمن والاستقرار”.
التعريف القانوني لجريمة البغي :
عرفته المادة (124) من قانون الجرائم والعقوبات بأنه “الخروج على الدولة مكابرة استناداً إلى منعه“، ومن هذا التعريف يتضح بأن المشرع اليمني قد أغفل النص على شرط الخروج بتأويل سائغ وهو ما يتعين عليه تداركه .
التعريف الفقهي لجريمة البغي :
عرفه بعض الفقها بـ “الخروج على طاعة الإمام الحق بتأويل سائغ ممن له شوكة، وكذلك الامتناع من أداء حق واجب يطلبه الإمام “.
شروط جريمة البغي:
جريمة البغي من جرائم الحدود التي وضع الفقه الإسلامي لها شروط محددة منها ما يتعلق بالمبغي عليه ومنها ما يتعلق بالبغاة ومنها ما يتعلق بفعل البغي فإذا توافرت هذه الشروط قامت جريمة البغي والعكس صحيح ، والمتفق عليه بين المذاهب كالتالي :
- الخروج على ولي الأمر، أي أن يخرجوا عن طاعته بحيث لا تجري أحكامه عليهم وهو ما يعني العصيان والتمرد وترك واجب الطاعة له، على عكس جريمة الحرابة التي يكون فيها القصد الجنائي موجهًا نحو العامة لا السلطان بعينه .
- أن يكون ولي الأمر محقاً، أي أن له ولاية شرعية وليس غاصباً أو جائراً، فإذا كان ولي الأمر غاصباً أو جائراً فلا يكون الخروج عليه بغياً .
- أن يكون للخارجين تأويل سائغ، أي أن ويكون لديهم أسباب معقولة، يعتقدون بها أنهم على حق، أما إذا خروجهم لأطماع ولتحقيق مآرب شخصية وليس للانتصار لحق عام فإنهم سيكونون محاربون مفسدون في الأرض وليسوا بغاة .
- أن يكون الخارجين مسلمين، فإذا كان الخارج غير مسلم فإن خروجه يعتبر نقض للعهد الذي عُصم به دمه في ديار المسلمين وبنقضه للعهد يصير حربياً وليس باغياً.
- أن يقع ذلك الخروج بالقوة والمغالبة، أي أن يكون للخارجين شوكة ومنعة فلا يكفي مجرد إبداء الرأي المخالف أو المعارضة الكلامية وإنما ينبغي أن يتقوى الخارجين بالقوة التي تجعل لخروجهم معنى العصيان، وقد اشترط بعض الفقهاء أن تبلغ قوتهم حداً يحتاج إلى تجريد جيش لمواجهتهم فإذا كانوا نحو العشرة فإنهم قطاع طرق وليسوا بغاة.
أولاً : عقوبة البغي في الشريعة الإسلامية :
لم يرد في القرآن الكريم بيان يحدد عقوبة البغي كالسرقة أو الزنا أو الحرابة، أما في السنة النبوية فقد جاءت آثار توجب مواجهة الباغي وصده ولو بالقتل فعن النبي صلى قال “من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه”، والقتل المشار إليه هنا هو في ميدان المعركة لصد الباغي، وللبغاة أحوالاً متعددة بينها العلماء ولكل حالة حكمها :
الحالة الأولى : المواجهة في ميدان القتال بالوسيلة المناسبة لكف خطرهم، وإن وصل الحال إلى قتل بعضهم فدماؤهم مهدورة .
الحالة الثانية : الظفر بالبغاة بعد أن تم كسر شوكتهم أو استسلامهم، حينها يتم النظر فيما وقع منهم من أعمال أثناء مواجهتهم مع الدولة وهنا يفرق العلماء بين نوعين :
الأول : أعمال المقاومة التي تقتضيها حالة البغي وما صاحبها من قتل أو خطف أو اتلاف وغيرها، كلها تدخل ضمن أعمال البغي، وفي حال السيطرة عليهم اتفق العلماء على عصمة دمائهم وأموالهم ويُجاز للوالي معاقبتهم بما يراه تعزيراً أو أن يعفي عنهم .
الثاني : الأعمال التي لا تقتضيها حالة البغي، ولا تدخل في أعمال المغالبة المسلحة الهادفة إلى مقاومة الدولة والسعي للتغلب عليها، هذه أعمال إجرامية خاصة بتصرفات فردية، فهي تُعد جرائم عادية فيها الحدود وفيها القصاص وفيها التعازير، حسب وصفها الشرعي والقانوني.
ثانياً : عقوبة البغي في القانون :
نصت المادة (124) من قانون الجرائم والعقوبات على أنـ “يعاقب الباغي وفقاً للأحكام المقررة للجرائم الماسة بأمن الدولة المنصوص عليها في هذا القانون“، ونعتقد أن المقنن اليمني لم يكن موفقاً بهذه الحالة المبهمة وذلك من ناحيتين:
الأولى، أن جرائم الدولة أوسع وأشمل من جرائم البغي.
الثانية، هو أن من جرائم البغي أعمالاً ليس لها حكم فيما ورد من النصوص المتعلقة بالجرائم الماسة بأمن الدولة، وهذا يستوجب البحث في الأحكام التي تناسب جرائم البغي في النصوص المتعلقة بجرائم أمن الدولة ، والنظر فيما يناسب حالات البغي التي لم تشملها.
وهذا يقتضي بيان الأمور الآتية :
استبعاد الاحكام الخاصة بجرائم أمن الدولة الخارجي من جرائم البغي
لأنها تندرج ضمن جرائم الخيانة العظمى مثل :
الاعتداء على استقلال الجمهورية أو وحدتها أو سلامة أراضيها .
إضعاف قوة الدفاع بما يضر بالقدرات الحربية للجيش في مواجهة الأعداء .
إعانة العدو بالانضمام أثناء حربه ضد الوطن، أو إمداده أو تقديم العون له .
الاتصال غير المشروع بدولة أجنبية بما يضر الدولة .
كل هذه الجرائم تهدف لإضعاف الدولة وتسهيل الاعتداء عليها، في أن جوهر البغي تقع بدافع نبيل “تأويل سائغ”، ويعني أن الباغي قد قصد بأفعاله تحقيق مصلحة وطنية في رأيه واعتقاده .
دخول بعض الأحكام الخاصة بجرائم أمن الدولة الداخلي في أحكام البغي
حيث يصف الشراح الجرائم الماسة بأمن الدولة بأنها في الغالب سياسية وقد حدد المشرع عدداً من الأعمال الإجرامية التي تمس أمن الدولة منها :
الاعتداء على الدستور والسلطات الدستورية .
العصيان المسلح .
الاشتراك في عصابة مسلحة بقصد اغتصاب الأراضي أو نهب الأموال المملوكة للدولة أو لجماعة من الناس، أو لمهاجمة الناس أو لمقاومة رجال السلطة .
التحريض على عدم الانقياد للقوانين.
إذاعة أخبار بغرض تكدير الأمن العام.
وبالنظر لأصناف هذه الجرائم نستطيع القول بأن كثيراً منها يدخل في إطار جرائم البغي إذا توافرت شرطه، ومما سبق يمكننا أن ننتهي إلى تقرير الأحكام الآتية :
- أن جميع الجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي لا يمكن أن تكون جرائم بغي وإنما جرائم خيانة عظمى يستحق مرتكبها عقوبة الإعدام تعزيراً .
- أن بعض الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلية يمكن أن تكون جرائم بغي إذا توافرت شروطه ويعاقب مرتكبها بالعقوبة المقررة وتكون غالباً (سلباً للحرية) تعزيراً.
أن بعض الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي لا يمكن أن تكون جرائم بغي لعدم توافر شروط البغي، ويجب النظر إليها بوصفها الجنائي أياً كان .
د نبيل محمد السماوي، الجرائم الخطرة على الأمن العام- حقيقتها وأهم صورها، واجراءات مكافحتها،دار الكتب اليمنية، صنعاء،2022،ط2.