الشغب كظاهرة وجريمة :
الشغب كظاهرة وجريمة الأصل أن الاجتماعات والحشود بأنواعها لا عقاب عليها، بل هي أعمال مشروعة إلى أن يتجاوز الأفراد للحدود المسموح بها خلال تجمعهم وخروجهم عن السلمية، الأمر الذي يجعلنا أمام صورة من صور الشغب، والذي يُعد المرحلة الأخيرة من صور الاضطرابات وغالباً ما ينتج عنه خسائر في الأرواح والممتلكات ويؤثر سلباً على الحالة الأمنية للبلاد.
التعريف اللغوي للشغب :
يأتي لفظ الشغب في اللغة بمعنى إثارة الشرور والفتن ويقال شغب الرجل القوم أو شغب بهم، إذا هيج الشر بينهم، معنى ذلك أن الشغب هو كل عمل يؤدي إلى حدوث الفتنة والمخاصمة وما يعتري ذلك من الإثارة والهياج والتوتر والاضطراب مما يؤدي إلى الإخلال بالأمن العام.
التعريف القانوني للشغب :
عرفه المشرع البحريني بـ “شروع واحد أو أكثر من المتجمهرين في استخدام العنف لتحقيق الغاية التي اجتمعوا من أجلها” أما تعريف المشرع الأردني “شروع المتجمهرون تجمهراً غير مشروعاً في تحقيق الغاية التي اجتمعوا من أجلها للإخلال بالأمن العام بصورة مرعبة للأهالي“.
التعريف الفقهي للشغب :
تعددت الآراء في تعريفه، ولكن كانت جميعها متقاربة وتوضح بأنه “سلوك جماعي عدواني جانح ومفاجئ وخارج عن المألوف والأعراف، يقع مرتكبوه تحت طائلة القانون”
خصائص جريمة الشغب :
يتميز عن غيره من الجرائم بالخصائص الآتية :
- خاصية الحشد، الحشد هو السمة العامة المميزة لأعمال الشغب، ويأخذ صوراً متعددة كالتجمهر والتظاهر والإضراب والاعتصام وغيرها، وتتميز أحداث الشغب بالطابع الجماعي الشمولي، حيث أن سلوك الفرد وهو بمفرده مختلف عن سلوكه وهو في الحشد أو الجماعة، فعندما يكون وحيداً يشعر بأن تصرفاته محسوبة عليه، أما في الجماعة سيشعر بأن سلوكه سيذوب بينهم .
- خاصية العنف، العنف هو السمة الخاصة المميزة لأعمال الشغب وغالباً ما يكون مفاجئاً ومؤقتاً، والعنف هو جوهر الشغب، ويُعرف العنف بأنه “استجابة سلوكية تتسم بطبيعة انفعالية شديدة قد تنطوي على انخفاض في مستوى البصيرة والتفكير”.
غير أن هناك من الفقهاء من يرى بأن الشغب قد يكون سلمياً ولا يسبب أي إعاقة لسير الحياة بل أنه يُعد مظهراً حضارياً يدل على ديمقراطية الحكم، ولو افترضنا جدلاً بأن قصدهم بالشغب السلمي التظاهر والإضراب والاعتصام، فإن الرد عليهم في أن صور التجمع هذه ليست من صور الشغب وإنما هي حقوق مكفولة للإنسان في الدستور قد تفضي إلى شغب وقد لا تفضي إليه، لعدم استخدامهم العنف لتحقيق غاياتهم .
مظاهر جريمة الشغب :
تتوقف خطورة الشغب على طبيعة الدوافع المحركة له، ونوايا الأفراد الذين يتزعمونه ونوع الأسلحة التي يحملونها ووفرة الذخيرة التي يمتلكونها وقدرتهم على استخدامها، ويُعد الاعتداء على رجال الشرطة بأي وسيلة مظهر من مظاهر الشغب، وإطلاق النار هو أخطرها، حيث لا يجد رجال الأمن مانعاً من الرد عليهم بالمثل، كما أن من مظاهر الشغب تدمير المركبات واضرام النيران وتخريب وإحراق المحطات والمتاجر والمباني وأعمال النهب الجماعي للمحلات والبنوك والمصارف وغيرها .
أسباب جريمة الشغب كظاهرة وجريمة :
- أسباب اقتصادية، وترجع إلى المشاكل والظروف الاقتصادية التي يعاني منها أفراد المجتمع كارتفاع تكاليف المعيشة وعدم تناسبها مع الأجور وكذا ارتفاع نسبة الضرائب وانتشار البطالة وأزمة الاسكان، من الأسباب أيضاً اتباع سياسة اقتصادية لا تتناسب مع ظروف البلد مثل اتباع النظام الرأسمالي الذي يترتب عليه حالة من الفقر في أوساط المجتمع ويؤدي لحالة سخط شعبي .
- أسباب سياسة، كالاضطراب الناتج عن تناحر الأحزاب أو اختلاف المبادئ والمذاهب السياسية أو كنتيجة لما تمارسه بعض الأحزاب المعارضة من شحن لبعض فئات الشعب وحثهم على الخروج وخلق الاضطرابات بغية احراج الحزب الحاكم أو اسقاطه، وقد تقع أعمال الشغب كرد فعل لقرارات خاطئة اتخذتها الحكومة، كما أن من الأسباب محاولة بعض الدول المعادية تنفيذ مخططات تستهدف أغراض معينة مثل المخطط لإشعال نار الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة والأكراد في العراق.
- أسباب اجتماعية، مثل تفشي الجهل وتدني مستوى التعليم وكثرة المتشردين ووجود التفرقة العنصرية وشعور بعض الجماعات بالاضطهاد وغيرها، كل تلك الأسباب تعتبر مصادر كامنة قد تندلع منها أعمال شغب في أي لحظة.
- أسباب دينية، مثل اختلاف الأديان والمذاهب والعقائد الدينية في المجتمع الواحد، وما قد يسفر عنه من محاولات للتعدي على الأقليات من قبل الآخر لإقرار وجهات نظر.
- الكوارث الطبيعية والنكبات البشرية، غالباً ما تُخلف الكوارث الخسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات كفقد العائل أو انعدام المأوى والطعام وهو ما يؤدي لقيام تجمهرات قد تعقبها أعمال شغب وسلب ونهب وتحديداً في ظل تقاعس السلطات العامة عن تقديم المساعدات الفورية للمتضررين من الكارثة .
- الإشاعات، غالباً تختلقها الدول المعادية، حيث تُكرس أجهزتها وجهودها في التخطيط لاستثمار الأوضاع الداخلية في الدول لتحقيق مصالحها وإثارة أعمال الشغب والأحقاد الطائفية والعنصرية بغية تمزيق وحدة الصف الوطني أو النسيج الاجتماعي، وليس بالضرورة أن تكون الشائعة صادقة في محتواها لتكون سبباً في نشوء أعمال الشغب، بل قد تكون كاذبة أو خبر ملفق يتم خداع العامة به .
- وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي، وتلعب دوراً هاماً في تزايد أعمال الشغب لقدرتها على التأثير في الرأي العام، ولخضوع الإجراءات التي تتخذها الشرطة لمكافحة الشغب للنقد والتقييم من قبل المنظمات وانتشار مجالس حقوق الانسان في كافة البلدان، وقيامها بتوعية الجماهير بحقهم في التعبير وإبداء الرأي مما يضاعف من فرصة إثارة الشغب.
- غياب السلطة أو اخفاقها في حل الأزمات والمشاكل، الهامة والتي تقلق الناس، أو لترددها في التجاوب مع عواطف الجماهير حيال مسألة ما، فتجرح بترددها شعور الرأي العام الأمر الذي يفضي لوقوع اضطرابات عنيفة، كأن يتأخر وصول رجال الشرطة في حالة اشتباك بين أفراد أو تأخر لسيارات الإطفاء أو سيارات الإسعاف وغيرها .
- تجاوز أو إساءة استعمال رجال الشرطة للسلطة، من شأن سوء تعامل الشرطة تجاه أي تجمع أو حشد جماهيري أن يثير شغباً، نتيجة لسوء تقديرها أو لاستعمالها القوة المفرطة في قمع الاضطرابات، وقد تندلع أعمال الشغب نتيجة لتسبب أحد رجال الشرطة في حادث ما قد تصل لحد الاعتداء على أقسام ومراكز الشرطة نتيجة اعتداء أحد الضباط على مواطن أو تعذيبه وهناك العديد من الشواهد العملية في هذا الشأن منها على سبيل المثال أعمال الشغب التي اندلعت في العاصمة البريطانية لندن 2011 عقب مقتل رجل أسود على يد أحد ضباط الشرطة البريطانية، واستمر الشغب أربعة أيام خلف الكثير من الأضرار والخسائر البشرية والمادية، ومنها أحداث الشغب التي نشبت في بعض المدن الأمريكية عام 2020 واستمرت لعدة أيام متوالية احتجاجاً على مقتل شاب أمريكي من أصول أفريقية يدعى جورج فلويد خنقاً على يد ضابط أمريكي، الأمر الذي أثار موجة من الغضب على السلطة.
آثار جريمة الشغب :
لخطورة هذه الجريمة فإن آثارها لا تقف عند الإخلال بالأمن العام فقط، بل يمتد إلى :
- الجانب الأمني، من خلال انتشار الرعب في أوساط المجتمع وزعزعة ثقة المواطنين بالأجهزة الأمنية .
- الجانب الاقتصادي، لما تخلفه أعمال الشغب من اتلاف وتدمير وحرق للممتلكات الخاصة والعامة ، غير أنها تشكل بيئة طاردة لرؤوس الأموال والمستثمرين ، وتكون سبباً في تعطيل السياحة والأشغال، مما يؤدي إلى انتشار البطالة والفقر في البلاد.
- والجانب السياسي، من خلال تشويه سمعة النظام الحاكم داخلياً وخارجيا، وزعزعة الثقة لدى المواطنين بالنظام، غير أن استخدام العنف في فض الشغب غالباً ما يكون سببا في سقوط حكومات وامبراطوريات .
أركان جريمة الشغب :
أولاً : الركن المادي، ويلزم لقيام الركن المادي توافر عنصرين هما :
العنصر الأول : الاشتراك في تجمهر مشروع، ومن خلال ما سبق يمكن ملاحظة أن الشغب جريمة مركبة، أساسها جريمة التجمهر غير المشروع مضافاً إليه الشروع في استخدام العنف في سبيل تحقيق الغرض من التجمهر، وبهذا نلاحظ أنه ينبغي لتحقيق العقاب أن يكون الجاني مشتركاً بالفعل في تجمهر غير مشروع بشروطه المفترضة (النصاب العددي، والعلانية) وأركانه (المادي، والمعنوي سواءً كان قصداً عاماً أم خاصاً).
العنصر الثاني : الشروع في استخدام العنف، من قبل فرد أو أكثر من المتجمهرين، ويعني البدء في ارتكاب السلوك الإجرامي والسلوك هنا إيجابي يتمثل في العنف بمظهريه (فعل أو الشروع في فعل ينجم عنه إيذاء جسماني أو مادي – التهديد بإحداث إيذاء جسماني أو مادي خاصة إذا كان مصحوباً بإمكانية التنفيذ له)، كما أنه لا يشترط للعقاب على جريمة الشغب صدور أمر من رجال الشرطة لمثيري الشغب بالتفرق وعصيانهم للأمر بيد أن صدور هذا الأمر وعصيانه يعد شرطاً ضرورياً لتخويل مأموري الضبط الإداري استعمال القوة اللازمة لفض ذلك الشغب.
ثانياً : الركن المعنوي، جريمة الشغب من الجرائم العمدية يقوم ركنها المعنوي على توافر القصد الجنائي العام بعنصريه (العلم والإرادة) ، لكن المشرع تطلب أن يكون الجاني قد تعمد الاشتراك في تجمهر غير مشروع وشرع في استخدام العنف قاصداً تحقيق الغاية التي تم الاجتماع من أجلها ويسمى القصد في هذه الحالة القصد الجنائي الخاص وهذه الغاية لا تخرج عن كونها إما الإخلال بالأمن العام أو ارتكاب الجرائم.
العقوبة الأصلية لجريمة الشغب:
التشريع الجنائي اليمني أغفل النص على جريمة الشغب في الوقت الذي تصدى فيه كلا التشريعين الجنائيين البحريني والأردني للنص على هذه الجريمة وعقابها كما يلي :
تنص المادة (179) من قانون العقوبات البحريني رقم (15) لسنة 1976 على أنه “إذا شرع واحد أو أكثر من المتجمهرين في استخدام العنف لتحقيق الغاية التي اجتمعوا من أجلها كان شغباً وعوقب كل من اشترك في هذا الشغب وهو عالم به بالحبس مدة لا تزيد عن سنتين وغرامة لا تتجاوز خمسمائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين” .
وتنص المادة (165/ 2) من قانون العقوبات الأردني على أن “كل من اشترك في شغب عوقب بالحبس مدة لا تزيـد عن سنة أو غرامة لا تزيد على خمسين ديناراً أو بكلتا العقوبتين”.العقوبة المشددة لجريمة الشغب: باعتبار استعمال السلاح ظرف مشدد للعقاب فقد نصت المادة (168/2) من قانون العقوبات الأردني على أن “من استعمل السلاح من المتجمهرين يعاقب بالحبس من ستة أشهر حتى ثلاث سنوات فضلاً عن أية عقوبة أشد قد يستحقها”.
الشغب كظاهرة وجريمة
د نبيل محمد السماوي، الجرائم الخطرة على الأمن العام- حقيقتها وأهم صورها، واجراءات مكافحتها،دار الكتب اليمنية، صنعاء،2022،ط2.